روائع مختارة | روضة الدعاة | زاد الدعاة | أسـاليب الدعوة إلـى الله

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > روضة الدعاة > زاد الدعاة > أسـاليب الدعوة إلـى الله


  أسـاليب الدعوة إلـى الله
     عدد مرات المشاهدة: 2974        عدد مرات الإرسال: 0

الدعوة في اللغة والاصطلاح

تعريف الدعوة ومعناها لغة واصطلاحا

الدعوة في اللغة

كلمة الدعوة مصطلح إسلامي، وهناك علاقة وثيقة بين مدلول هذا اللفظ في الأصل اللغوي، وبين إستعماله كمصطلح إسلامي صرف.

معاني الدعوة في القرآن:

ورد لفظ الدعوة في القرآن الكريم للدلالة على معاني متعددة منها:

معنى الطلب: نحو قوله تعالى: {لا تدعو اليوم ثبوراً واحداً وادعوا ثبوراً كثيراً} [الفرقان: 14] بمعنى لا تطلبوا اليوم هلاكاً واحداً بل إطلبوا هلاكاً وويلاً كثيراً فإن ذلك لن ينفعكم.

معنى النداء: نحو قوله تعالى: {ويوم يقول نادوا شركائي الذين زعمتم فدعوهم فلم يستجيبوا لهم وجعلنا بينهم موبقًا} [الكهف:52} أي فنادوهم فلم يستجيبوا لهم.

معنى السؤال: نحو قوله تعالى حكاية عن بني إسرائيل: {قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها} [البقرة:69] أي اسأل ربّك يبين لنا ما لون البقرة التي أمرنا بذبحها.

معنى الحث والتحريض على فعل شيء: نحو قوله تعالى حكاية عن مؤمن آل فرعون: {ويا قوم مالي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار} [غافر:41] بمعنى أنه ليس من العدل والإنصاف أن أحثّكم وأحرضكم على فعل ما من شأنه نجاتكم في الدنيا والآخرة، وأنتم تحرضونني على فعل ما من شأنه هلاكي.

معنى الإستغاثة: نحو قوله تعالى: {قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة أغير الله تدعون إن كنتم صادقين} [الأنعام:40]، بمعنى: هل إذا أتاكم عذاب وغضب من الله وأصابتكم كارثة أو مصيبة أو أتتكم الساعة هل إذ حدث ذلك تستغيثون بغير الله؟ فإن كلمة تدعون في الآية بمعنى الإستغاثة.

معنى الأمر: نحو قوله تعالى: {وما لكم لا تؤمنون بالله والرسول يدعوكم لتؤمنوا بربكم} [الحديد:8] أي والرسول يأمركم أن تؤمنوا بالله ربكم.

معنى الدعاء: نحو قوله تعالى:{ادعوا ربكم تضرُّعاً وخفية} [الأعراف:55] بمعنى توسلوا إلى الله بالدعاء وتقربوا إليه به.

هذه معاني متعددة استُعمل لفظ الدعوة للدلالة عليها كما ورد في القرآن الكريم، وإذا نظرنا بشيء من الإمعان إلى تلك المعاني سوف نجد أنها تعود جميعها إلى أصل واحد وهو معنى الطلب.

فالنداء هو طلب الحضور والمجيء سواء لأمر حسي أو معنوي.

والسؤال: هو طلب العلم بشيء لم يكن معلوماً لدى السائل.

والتحريض والحث: هو طلب إتيان فعل غير مرغوب فيه عند المخاطب.

والاستغاثة: طلب رفع ضرر واقع على المستغيث.

والأمر: طلب إتيان الفعل مطلقاً.

والدعاء: هو الطلب من الله سبحانه وتعالى.

وتعدّد معنى الدعوة كما هو واضح بغرض بيان القصد المراد منها.

ومن ثمّ يمكن تعريف الدعوة إلى الإسلام من خلال ما تقدم بأنها: الطلب من الناس الدخول في طاعة الله تبارك وتعالى، وطاعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والإلتزام بشرائعه أي التدين بالدين الإسلامي الحنيف الذي إختاره الله تبارك وتعالى لخلقه والعمل بتعاليمه {يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون} [البقرة:21].

الدعوة في الاصطلاح:

الدعوة في لسان الشرع قد وردت فيها عدة تعاريف، نذكر منها:

1= تعريف شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:

الدعوة إلى الله، هي الدعوة إلى الإيمان به، وبما جاءت به رسله، بتصديقهم فيما أخبروا به وطاعتهم فيما أمروا - مجموع الفتاوى لابن تيمية ج15/ 157.

2= تعريف د. السيد محمد الوكيل:

الدعوة إلى الله هي جمع الناس إلى الخير، ودلالتهم على الرشد، بأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، قال تعالى: {والتكن منكم أمة يدعون إلى الخير} [آل عمران:103] -أسس الدعوة وآداب الدعاء للدكتور السيد محمد الوكيل، ص9.

3= تعريف الشيخ الصواف:

الدعوة هي رسالة السماء إلى الأرض، وهي هدية الخالق إلى المخلوق، وهي دين الله القويم، وطريقه المستقيم، وقد إختارها الله وجعلها الطريق الموصل إليه سبحانه، {إن الدين عند الله الإسلام} [آل عمران:19]، ثم إختارها لعباده، وفرضها عليهم، ولم يرض بغيرها بديلاً عنها {ومن يتبع غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين} [آل عمران:185] -الدعوة والدعاء للصواف، ص22.

وخلاصة التعاريف فإننا نقول بأن الدعوة إلى الله هي قيام الداعية المؤهل بإيصال دين الإسلام إلى الناس كافة -أمة الدعوة وأمة الاستجابة- وفق الأسس والمنهج الصحيح، وبما يتناسب مع أصناف المدعوين ويلائم أحوال وظروف المخاطبين

أنواع الدعوة إلى الله

خصائص الدعوة إلى الله:

أولا: ربانية المصدر.

الدعوة إلى الله مصدرها الله تعالى، فهي مرتبطة به، وهذا ما أضفى عليها قدسية لا نجدها في الدعوات الوثنية والأرضية الأخرى، بل وحتى الدعوات التي تستند إلى كتب سماوية تفتقد إلى هذه القدسية، كالمسيحية المحرفة التي تتبنى عقيدة التثليث.

وإرتباط الدعوة بالله عز وجل يبعث الطمأنينة والسكينة في قلب الداعي، فكما يقول ابن عطاء الله السكندري: من وجد الله فماذا فقد.

ثانيا: عالمية الانتشار.

فهي لا تخص جنسا معينا، بل تتوجه إلى كل البشر مصداقا لقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:107].

وهي عالمية من حيث الزمان فهي لا تتوقف إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ولا تتعطل أبدا، أما من حيث المكان فهي نور الله الذي يضيء جميع الأرض، لذلك على الدعاة أن يستشعروا مسؤوليتهم في تبليغ الدعوة إلى كل الآفاق.

ثالثا: شمولية المنهاج.

فهو يستوعب كل شرائح المجتمع: العالمين والجاهلين، والأغنياء والفقراء، والمؤمنين والكافرين... وهذا المنهاج يخاطب كل شريحة مع مراعاة خصوصياتها حتى تكون الدعوة على بصيرة وفهم وعلم ودراية وبالتالي تكون ناجحة، قال تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف:108].

رابعا: مراعاة واقع المدعوين.

الدعوة واقعية تأخذ بعين الإعتبار ظروف المدعوين الإجتماعية والثقافية وطبيعة مشاكلهم...، لذا على الداعي أن يكون واقعيا في تعامله معهم.

خامسا: إيجابية النظرة.

أ= الكون: وهي نظرة إعمار وإكتشاف، فهذا الكون الذي خُلِقنا فيه يسير وفق نواميس أودعها الله فيه لابد من إكتشافها، ومن ثم العمل بمقتضاها للإعمار، فهذه النظرة تخلق في الإنسان حب التأمل وتوحيد الله المبدع في صنيعه فيزداد إيمانا على إيمانه، وعلما بحقيقة خالقه، أليس الله هو القائل: {...إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} [فاطر:28].

ب= الحياة: وهي فترة للعمل فيما ينفع الناس، ولا تقاس بحياة الأفراد، وهذا ما أراد الرسول أن يرسخه في نفوس المؤمنين: «إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها» رواه أحمد، وجسده ذلك الفلاح المسن الذي غرس أشجارا تثمر بعد سنوات لما استفسر عن سبب غرسه إياها فقال: غرسوا فأكلنا، ونحن الآن نغرس ليأكل من يأتي بعدنا.

ج= الإنسان: هو المخلوق الذي كرمه الله عز وجل: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ...} [الإسراء:70].

وهو الأساس في قيام الحضارة كما يقول مالك بن نبي لذلك لابد من المحافظة عليه جسدا وروحا كما أمرنا تعالى: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنْ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} [القصص:77].

سادسا: أخلاقية الوسائل والأهداف.

الأخلاق في الإسلام عامة لا تخص المسلمين فقط، لقوله صلي الله عليه وسلم: «اتق الله حيثما كنت، واتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن» رواه الترمذي وقال حديث حسن، ليس كالدعوة اليهودية التي تستند إلى التوراة المحرفة والتلمود والبروتوكولات الداعية إلى التحلي بالأخلاق فيما بينهم والتملص منها مع غيرهم.

إن الدعوة إلى الله أهدافها أخلاقية ووسائلها كذلك ومنه صيغت القواعد التالية: نبل الوسائل من نبل الأهداف وطهر الأدوات من طهر الغايات، وسلامة المنطلقات من سلامة المآلات، ففي ظل الدعوة إلى الله تنتفي القاعدة الميكيافلية الغاية تبرر الوسيلة، فغاية الدعوة هي التمكين لدين الله وهي غاية نبيلة ووسائلها كذلك نبيلة.

الفرق بين أساليب الدعوة ووسائلها:

إن من أهم ما ينبغي على الدعاة إلى الله أن يفرقوا بين وسائل الدعوة إلى الله وأساليب الدعوة، وأن يفهموا معنا كل منهما، حتى يكونوا على قدر من الكفاءة والعلم لتبليغ دعوة الله تعالى.

المصطلح الأول: وسائل الدعوة.

تعريفها لغة: هي ما يتقرَّب به إلى الغير، والجمع وَسيلٌ ووَسائِلُ، يقال: وَسَّلَ فلانٌ إلى ربّه وسِيلةً إِذا عَمِل عملاً تقرَّب به إِليه، كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ} [المائدة:35].

قال الإمام ابن جرير الطبري الوسيلة: هي الفعيلة من قول القائل: توسلت إلى فلان بكذا، بمعنى: تقرَّبت إليه، ومنه قول عنترة:

إنَّ الرِّجَالَ لَهُمْ إِلَيْكِ وَسِيلَةٌ *** إِنْ يَأْخُذُوكِ، تكَحَّلِي وتَخَضَّبي

تعريفها اصطلاحًا: هي ما يستعمله الداعية من الوسائل الشرعية الحسية، أو المعنوية ينقل بها دعوته إلى المدعوين.

وينبغي للداعية معرفة الضوابط الشرعية للوسائل، ومراعاة أحوال من تستخدم معهم، حتى لا يقع في الخلل والاضطراب، فهاهنا ضابطان لابد من مراعاتهما وهما:

أولا: الإذن بمعنى أن تكون مأذونا بها سواء إذن تنصيص أي جاءت منصوصا عليها أو بدخولها تحت قاعدة عامة كالمباح.

ثانيا: المصلحة ويشمل ذلك مناسبة المقام، وإختيار الوسيلة ورجحان المصلحة على المفسدة

أمثلة على وسائل الدعوة إلى الله تعالى:

1= إرسال الرسل والدعاة.

2= تسلية المدعوين وتنشيطهم.

3= الجهاد في سبيل الله عز وجل.

4= الخطابة على المنبر أو مكان مرتفع.

5= الزيارة والعيادة

6= الكتب والرسائل.

وهذه الأمثلة على سبل المثال لا الحصر وإلا وسائل الدعوة إلى الله كثيرة جدا، فمتى كانت هذه الوسيلة مباحة شرعًا، لا محذور فيها، ولا مخالفة شرعية، فعلى الداعية إستخدامها في تبليغ دعوة الله تعالى.

المصطلح الثاني: أساليب الدعوة.

تعريفها لغة: الأسلوب هو: الطريق والفن، يقال أخذ فلان في أساليب من القول أي أفانين منه.

تعريفها اصطلاحًا: هي العلم الذي يتصل بكيفية مباشرة التبليغ، وإزالة العوائق عنه.

والمصادر الأساسية التي يستمد الداعية أساليب دعوته الحكيمة منها: هي كتاب اللّه، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وسيرة السلف الصالح.

أمثلة على أساليب الدعوة إلى الله تعالى:

تقوم جميع أساليب الدعوة إلى الله على أسلوب الحكمة، والموعظة الحسنة، والجدال بالتي هي أحسن، كما قال تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل:125].

وأساليب الدعوة لها مكانة بالغة في الدعوة إلى الله عز وجل، ومنها:

1) التدرج في الدعوة.

2) السؤال والجواب.

3) الإستفهام الـستنكاري.

4) التشبيه وضرب الأمثال.

5) الترغيب.

6) الترهيب.

ولعل هذه من أهم الأساليب التي إستخدمها النبي صلى الله عليه وسلم في دعوته، وهي على سبيل المثال لا الحصر.

ومما سبق يتبين لنا أن الوسائل تختلف عن الأساليب بأمور منها:

1) غالبا الوسائل تكون حسية والأساليب معنوية.

2) الوسائل تنقل الأساليب.

أهمية معرفة الداعية لأساليب الدعوة وكيفية تطبيقه لها:

عندما بعث الرسول صلى الله عله وسلم معاذ رضي الله عنه إلى اليمن أخبره عن حال المدعوين الذين سيوجه لهم الدعوة، وأنهم أهل كتاب فيقول الحافظ ابن حجر رحمه الله مبيناً حكمة ذلك هي كالتوطئة للوصية لتستجمع همته عليها لكون أهل الكتاب أهل علم في الجملة، فلا تكون العناية في مخاطبتهم كمخاطبة الجهال من عبدة الأوثان.

وأمره أن يعرض الدعوة عليهم بالتدرج، لأنه لو طالبهم بالجميع في أول مره لم يؤمن النفرة، ولما لهم من مكانة بين سائر المدعوين فقد أمر الله بدعوتهم بالرفق واللين والمجادلة بالتي هي أحسن كما قال تعالى: {وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل:125].

فالداعي قبل أن يبدأ بدعوته، عليه أن يسأل عن حال المدعو هل هو من الحيارى الذين يحترمون الدين ويقدسون الرب، ولكن لا تزال لديهم شبهات وشهوات، أو هل هذا المدعو قسيس يتطلب له طالب علم له دراية بالكتاب والسنة وبدين النصارى وجوانب الإنحراف والإختلاف والإتفاق وكيف يناقش هذا المدعو ويقيم عليه الحجة، وإن معرفة الداعي لأحوال المدعوين يقتضي منه أن ينزلهم منازلهم فإن ذلك من الأمور الهامة التي يجب على الداعي أن يراعيها ويتنبه إليها ويحرص على تطبيقها وتنفيذها مع المدعوين، ويعاملهم بناء على أقدارهم ويخاطبهم على قدر عقولهم وأفهامهم لتأليف قلوبهم وجذب نفوسهم إلى الإسلام.

وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يراعي أحوال المدعوين وينزلهم منازلهم ويتمثل ذلك في إرساله للرسل والكتب إلى كسرى وقيصر والنجاشي يدعوهم إلى الإسلام كما ذكر البخاري في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنه إلى قيصر: «من محمد عبدالله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم»، كذلك جاء في كتابه صلى الله عليه وسلم إلى المقوقس: «من محمد بن عبد الله ورسوله إلى المقوقس عظيم القبط». فهذا مما يدل على حرص النبي صلى الله عليه وسلم على إنزال الناس منازلهم مراعاة لأقدارهم لتأليفهم إلى الدين الإسلامي.

فهذه من أساليب الحكمة في الدعوة التي ينبغي للداعي أن يراعيها.

الموعظة الحسنة: للموعظة الحسنة أهمية بالغة في الدعوة إلى الله تعالى، فقد أمر الله تعالى بها في كتابه الكريم، وحث عليها، فقال تعالى: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} [النحل:125]، وذلك لما للموعظة من تأثير بالغ في النفوس.

والدعوة إلى الله بالموعظة الحسنة تكون بأسلوبي الترغيب والترهيب.

والترغيب: هو كل ما يرغب المدعو للإذعان، وقبول الدعوة، والثبات مع الحق، وهو الحث على فعل الطاعات وتأدية الواجبات.

والأصل في الترغيب: أن يكون في طلب مرضاة الله ومغفرته، وجزيل أجره في الدارين.

والترهيب: هو كل ما يخيف المدعو من عدم الثبات على الحق والإذعان له، وعدم إتباع أوامر الله.

والأصل في الترهيب: يكون بالتخويف من عاقبة السيئات لأنها مجلبة لغضب الله.

ويكون الترغيب بعدة أساليب منها:

* الوعد بالثواب العاجل في الدنيا، والمؤجل في الآخرة كما قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُواْ وَاتَّقَوْاْ لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ} [المائدة:65]، وقال تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِم مِّن رَّبِّهِمْ لأكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم} [المائدة:66].

وهذا الأسلوب تمثل في دعوة النبي صلى الله عليه وسلم للنصارى وغيرهم، وذلك حينما كتب كتاباً للمقوقس ملك مصر قال فيه عليه الصلاة والسلام: «أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين».

* ومن الأساليب أيضاً التي ترغب في الدخول في الإسلام تذكيرهم بنعم الله عليهم، وقد خاطبهم الله تعالى بذلك فقال جل وعلا: {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ..} وقوله تعالى: {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ} [البقرة: 40،47].

وهكذا ينبغي للداعي أن يستفيد من منهج القرآن الكريم والسنة المطهرة لترغيب النصارى في الإسلام لعلهم يفرحون ويستبشرون بهذا الأجر، فيكون ذلك حافزاً ودافعاً لدخولهم الإسلام وإن لم يثمر معهم هذا الأسلوب فعلى الداعي أن ينتقل بحكمته إلى أسلوب الترهيب والتخويف وهذا منهج القرآن الكريم مع النصارى وغيرهم.

فقد أنّبهم على عدم إسلامهم ووبخهم فقال تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ} [آل عمران:70]، ثم هددهم وحذرهم من شدة عذابه فقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ آمِنُواْ بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُم مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللّهِ مَفْعُولاً} [النساء:47].

وقد خاطب الله سبحانه النصارى مهدداً لهم على لسان عيسى عليه السلام فقال:{لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ} [المائدة: 72].

وقال تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ انتَهُواْ خَيْرًا لَّكُمْ إِنَّمَا اللّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً} [النساء:171].

وقد إستعمل النبي صلى الله عليه وسلم أسلوب الترهيب معهم فقال صلى الله عليه وسلم: «والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار».

إذاً فالموعظة الحسنة من الأساليب الجيدة في التأثير على النصارى العرب وغيرهم، فلابد للداعي أن يستفيد منها في تبليغ دعوته.

ومن وسائل الترغيب والترهيب أيضاً ما يعرض لهم من الأمثلة والشواهد التاريخية التي جرت فيها سنة الله في الثواب والعقاب، ويذكر لهم قصص الأمم السابقة، وما جرى لهم أو عليهم، كقصص بني إسرائيل مع رسلهم، وما جرى للذين آمنوا بهم من نصرة الله لهم وما جرى على الذين كفروا وكذبوا رسلهم، وأجرموا، وأفسدوا في الأرض من عذاب مهلك لهم، ومن تدمير لمساكنهم وبلدانهم وممتلكاتهم.

ويرغبهم بما يعرض عليهم من مشاهد يوم القيامة بما فيها من جنات ونعيم لمن أسلم وحسن إسلامه، ويرهبهم بذكر ما فيها من عذاب شديد للذين أنكروا وكفروا برسالة محمد صلى الله عليه وسلم.

فعلى الداعي أن يستفيد من هذا الأسلوب لاسيما وأن القرآن الكريم مليء بالآيات التي تخاطب النصارى في هذا الشأن.

وعلى الداعي أن يراعي الحكمة في إستخدام أسلوب الموعظة، بأن تكون هذه الموعظة موافقة لكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فتكون موعظة حسنة في موضوعها وأسلوبها وطريقة عرضها، وتكون موعظة بليغة مؤثرة كما روى العرباض بن سارية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة بليغة، وجلت منها القلوب، وذرفت منها الدموع.... -المستدرك على الصحيحين،كتاب العلم، رقم 392/1174- فالموعظة البليغة هي التي تؤثر في القلوب.

وعلى الداعي أن يتحين الوقت المناسب، ويقتصد في الموعظة ويجتنب الإطالة كي لا ينفروا، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخول أصحابه بالموعظة، فكثرة المواعظ مملة تضعف تأثيرها في القلوب.

المجادلة بالتي هي أحسن:

إن لم تنفع الموعظة الحسنة، ولم تؤثر في المدعو وترده إلى الحق، قد يكون لديه شبهة وشك يحتاج إلى تجلية وإيضاح وتفنيد بالجدال والنقاش والحوار، قال تعالى {وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل:125]

والجدال هو أحد الطرق المستخدمة في الدعوة إلى الله لإقناع المدعو، وإزالة الشبهة، وإقامة الحجج والبراهين على صحة الدعوة، وبطلان ماسواها وهو لا يكون إلا عند الحاجة، كوجود المعارض بالشبهة والصاد بالباطل عن سبيل الله، أما الحكمة والموعظة الحسنة فمشروعيتها قائمة دائمة.

والجدل في اللغة: هي مقابلة الحجة بالحجة، والمجادلة: المخاصمة والمناظرة.

والمجادلة بالتي هي أحسن هي المناظرة التي يبتغى فيها الوصول إلى الحق بطريق صحيح.

والمناظرة مشروعة بالكتاب والسنة، ففي القرآن الكريم ذكر لبعض مناظرات الأنبياء مع أقوامهم، كنوح وإبراهيم وموسى ومحمد عليهم الصلاة والسلام، وكذلك الثناء من الله على من أوتي الحجة وإستطاع إفحام قومه كما قال الله عز وجل عن إبراهيم عليه السلام {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ...} [الأنعام:83].

وفي السنة النبوية ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ناظر وفد من نصارى نجران بالقرآن الكريم، فأفحمهم ثم عرض عليهم من الآيات التي تتضمن ردود مقنعة عن هذه التساؤلات حول عيسى عليه السلام، وتفنيد لشبههم عن الإسلام، ودفع لحججهم الباطلة، مما جعل أبا حارثة وهو أغزر نصارى نجران علماً يسّر إلى أحد رفاقه بقناعته بالذي دعاهم إليه محمد عليه السلام.

قال ابن القيم رحمه الله في فقه قصة وفد نجران: وفيها جواز مجادلة أهل الكتاب ومناظرتهم بل إستحباب ذلك بل وجوبه إذا إضطرت مصلحة من إسلام من يرجى إسلامه منهم وإقامة الحجج عليهم.

وللمناظرة والمجادلة ضوابط وآداب لابد أن يراعيها الداعي منها:

1= أن يكون الموضوع مما يجوز أن تجري المناظرة فيه شرعاً وعقلاً، فلا تجوز المجادلة في ذات الله تعالى، وأسمائه وصفاته ولا يجوز الجدال في آيات الله وضرب بعضها ببعض، ولا فيما غيّبت عنا وليس لنا سبيل إلى معرفته والعلم به.

2= تقديم النقل ونصوصه على العقل وظنونه.

3= أن يكون الموضوع المتجادل فيه معلوماً ومحدداً لدى المتجادلين فلا ينبغي الجدال فيما يُجهل أو ما كان متشعباً غير محدداً.

4= أن يكون الهدف من المناظرة إظهار الحق ودفع الباطل.

ولابد أن يكون لدى الداعي إطلاع على كتب النصارى ومعرفة أفكارهم ومعتقداتهم، ليقف على ما عندهم من شبه وأفكار ومعتقدات، فيفندها ويبطلها بما لديه من حجج وبراهين ثابتة بأسلوب المجادلة بالحسنى.

وعليه أن يتحلى بالأخلاق الإسلامية العالية أثناء الجدال من القول المهذب وإحترام الآخرين، وعدم الطعن في الأشخاص أو لمزهم والإستهزاء بهم، ولا يبادر إلى مهاجمة أتباع الديانات والعقائد في بداية الأمر، ويتجنب تخطئة المناقش وتسفيه آرائه لأول وهلة، وليكن متلطفاً ليناً رقيقاً في الخطاب، فالجدال مشروط بأن يكون بالتي هي أحسن.

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: أي من إحتاج منهم إلى مناظرة وجدال فليكن بالوجه الحسن برفق ولين وحسن خطاب.

وعلى الداعي أن يركز على القضايا التي إهتم بها القرآن الكريم في دعوة النصارى فمنها على سبيل المثال:

إقامة الأدلة لأهل الكتاب على صدق النبي صلى الله عليه وسلم.

وتشتمل على مايلي:

1) تنبيههم إلى ما يجدونه في كتبهم من صفة النبي صلى الله عليه وسلم وأن علمائهم يعرفون أمره معرفة تامة، كما يعرف أحدهم ولده قال تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ} [الأعراف:157]، وقوله تعالى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ} [البقرة:146]، وقال تعالى: {أَوَلَمْ يَكُن لَّهُمْ آيَةً أَن يَعْلَمَهُ عُلَمَاء بَنِي إِسْرَائِيلَ} [الشعراء: 197].

2) تنبيههم إلى أن محمد صلى الله عليه وسلم الذي يدعوهم إلى الإسلام إنما هو الذي بشر به عيسى ابن مريم عليه السلام جاء ذلك واضحاً في قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} [الصف:6].

3) إخبارهم بان القرآن الكريم وهو المعجزة العظمى لمحمد صلى الله عليه وسلم مصدق لما سبقه من الكتب السماوية، ومهيمن عليها قال تعالى: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ} [المائدة:48].

4) إقامة الحجة عليهم من طرق الإستشهاد بمؤمني أهل الكتاب، وتصديقهم ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، وشهادتهم أن ما أنزل عليه هو الحق كما جاء ذلك في قوله تعالى: {وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَن يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْهِمْ} [آل عمران:199].

دعوتهم وإرشادهم إلى أن دعوة محمد صلى الله عليه وسلم موافقة في الأصول إلى ما دعا إليه الأنبياء السابقين كما قال تعالى:{شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى} [الشورى:13].

5) قطع الحجة عليهم بإرسال خاتم الرسل إليهم بشيراً ولا نذيراً قال تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِّنَ الرُّسُلِ أَن تَقُولُواْ مَا جَاءنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءكُم بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [المائدة: 19].

وبهذه المواجهة الحاسمة لا تعود لهم حجة من الحجج في أن محمداً صلى الله عليه وسلم لم يرسل إليهم.

فالمناظرة مع النصارى كانت ولا تزال من أبرز المناظرات التي تحدث في مجال الدعوة، إما دفعاً لشبهة يثيرونها على الإسلام ونبيه عليه السلام أو إظهاراً لفساد قول عندهم مما حرفوه، وأدخلوه على دين المسيح كالقول بألوهيته وصلبه وغير ذلك وهي أفضل أشكال الحوار المطلوب في هذا العصر.

إذا فالدعوة إلى الله سبحانه بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن، من أفضل الأساليب في الدعوة إلى الله لاسيما مع النصارى العرب لكونهم من أهل الكتاب، ولديهم علم وخبر لكنه محرف، خلافاً لأهل الديانات الأخرى من الجهال وعبدة الأوثان.

ثم إن لغتهم العربية تسهل الطرق لدعوتهم وجدالهم، لأن القرآن نزل باللسان العربي وفيه جميع الحجج والبراهين التي تصحح أفكارهم ومعتقداتهم وتزيل شبههم، وشكوكهم، وتجيب على تساؤلاتهم.

وهذه الأساليب تفتقر إلى وسائل ملائمة لإيصالها للمدعو لينتفع بها.

الكاتب: عبدالقادر بن فالح الحجيري السلمي